عن رواية "الطريق إلى نابلس" أحدث روايات القضية الفلسطينية..مراجعة لها بقلم: د. بيسان الخطيب

 




رواية " الطريق الى نابلس"

للكاتب المبدع عبد الرحمن قصّاص..


أنا ك فلسطينية الدمِ والهوية أغبطُ كلَّ من يكتب عن فلسطين ففلسطين تستحقُّ أن تُكتب وتُعاش وهذا جزءٌ من المقاومة وهيَ أضعفُ الإيمانِ ويُؤجرُ الكاتبُ على حروفه الصادقة التي تلامسُ شغافَ قلبِ كلِّ مُسلمٍ يعي حقيقة أنّ قضيتنا هي قضيةُ الملياري مُسلمِ على هذه البسيطة..

روايةٌ أحببتُها وودتُ لو كُنتُ كاتبةَ حروفها؛ بدأت الحكايةُ في نابلس جبل النار "دمشقَ الصُغرى " وانتهت فيها في حواريها في حارة الياسمينة منبع الشهداءِ وعرينَ الأسودِ ومهد المقاومة..

بلال بطلُ روايتنا أنقذهُ وصديقَهُ أمجد من ضياعهما الشيخ فاروق جدّ أمجد الذي أخرجهما من الظلماتِ الى النورِ في بدايةِ حياتهما وأرشدهما الى طريقِ الحقِّ والهداية وغذّى روحهما على الجهادِ وحبّ الوطن؛ هذا الوطن الذي استُبيحَ وانتُكبَ وانتكسَ وقدّم دماءَ أبناءه لأُمّةٍ بلا دماء..

في كلِّ يومٍ تنطلقُ مواكبُ الشهداء تزُّفهم الى حورِ العين ضاحكين مستبشرين تفوحُ منهم روائح المسكِ والعنبر؛ فالشهيدُ حيٌّ لا يموت ويشفعُ لسبعينَ من أهلهِ الّا شهيدُ فلسطين فأجرُهُ مضاعفٌ يشفعُ لمئةٍ وأربعينَ من أهله فهنيئاً لهُ الشهادةَ وما ظفر..

أمجد كان يحلمُ دوماً بأنّ يُزفّ عريساً الى الجنان؛ وبلالٌ كان حائراً في أمرِه ويكبرانِ ويكبرُ حلمُ أمجد الذي باتَ وشيكاً بعد أن تزوّج ابنة عمّه هدير التي أنجبت له يافا وسمير ووليد وبقيَ بلالٌ عازفاً عن الزواجِ مُنكبّاً على القراءةِ والكتابة ليكونَ أديباً مُقاوماً بقلمهِ كما أوصاهُ الشيخ فاروق..

ويأتي اليومُ المشهود يوم الأربعاء الذي حملَ البُشرى لأمجد وزوجته هدير فزُفّا من جديدٍ لكن الى السماء ونجت يافا بأعجوبةٍ بعد أن تظاهرت بالموت بجانب أمها وهي لم تتجاوز الخامسة عشر بعد وكان أخواها عند جدّهما فنجيا أيضاً لكن من يظنُّ في الحياةِ نجاة؟ فهيَ حياةٌ برزخيةٌ عالقةٌ بين الحياةِ والموت؛ ورغبةُ الانتقامِ نارٌ اشتعلت ولم تنطفئ..

رغمَ محاولاتِ بلالٍ في احتضان أطفالِ صديقَ عمره الّا أنّ الألمَ يبقى خنجراً يُغرسُ في القلبِ مراراً فيُدميهِ ويُصبحَ عصيّاً على النسيان..

يمشي بلالٌ في خطى رفيقه يبعثُ أموالهُ عبرَ وسيطٍ الى رجالِ المُقاومةِ في القطاع ومن مكانه بقيَ يُشهرُ قلمهُ ويُقاوم فاضحاً جرائمَ بني صهيونَ وداعياً للجهاد فما أُخذَ بالقُوّةِ لا يُستردُّ الا بالقوّة..

ولأنّ الشاباكَ يبثُّ عيونه في كلِّ مكان وكلُّ فلسطينيٍّ يقبعُ تحتَ مجهرِ الشاباكِ وجواسيسه فقد تمّ الوصول الى بلال واختطافه من بيته عُنوةً وسيقَ الى غيابة الجُبّ وممالك التحقيقِ المجهولة حيثُ ينقضُّ زبانيةُ التعذيبِ على الأسيرِ يُذيقونه أصنافاً من العذابِ ويُلقونه في سَعيرهم ونارهم التي تشتعلُ حقداً وكُرهاً لكلِّ من يحملُ بشرايينه دماءاً فلسطينيةً ثائرة..

لم تحتمل يافا اليُتمَ مرّةً أخرى وخرجت لتنتقم..

غرزت سكينها في جسدِ صهيونيٍّ فأردتهُ قتيلا ولم تنطفئ نارُ غضبها المستعرة رغمَ محاولاتِ الزبانيةِ تكبيلها والتنكيلَ بها فرَغمَ صغرِ سنّها الّا أنها انتفضت مثلَ لبؤةٍ تُدافعُ عن عرينها وكانَ مصيرها السجنُ المؤبّد كما هو معروفٌ لدى حكومة بني صهيون فمن يقتلُ صهيونياً كان جزاؤه المؤبد وهو ٩٩ عاماً؛ ولو أنّ الاعدامَ مسموحٌ في دولتهم التي تدّعي الديموقراطية لتوالت قوافلُ الإعدامِ ليلاً ونهارا لا تتوقّف..

وبقيت دُعاء اختُ بلال والطفلين لا يعلمان مصيرهما حتى جاءُ أحدٌ لنقلهم الى غزّة حيثُ عزّة أخت دعاء والشيخ فاروق جدُّ الطفلين..

كيفَ صارت نابلس بعيدةً كلّ هذا البُعدِ بينَ ليلةٍ وضُحاها؟ وكيفَ يستبيحُ الصهاينةُ تهجيرَ أهلِ الأرضِ مرّتين؟

لكنّها ضريبةُ الدمِّ الفلسطينيِّ الذي لا يهدئ..

رحلةٌ محفوفةٌ بالأخطارِ من نابلس الى الخليل وعبرَ أنفاقٍ سريّةٍ الى غزّة..

وياليت وجودَ هذه الأنفاقِ حقيقةً على أرض الواقع لما تركنا غزّةَ تنزفُ وحدها ويموتُ أهلها جوعاً منذ بداية العدوان في السابع من اكتوبر المجيد..

وما نيلُ المطالبِ بالتمنّي

                                   ولكن تؤخذُ الدنيا غلابا

في غزّةَ اجتمع المشتّتون من جديد وفي القلبِ غصّة، غصّةُ فراق بلال ويافا ومن قبلهم جمال الشقيق الاكبر لبلال..

وتشاءُ الاقدارُ ان يهربَ بلالٌ من الأسرِ بعد تعاونِ طبيبِ المشفى العربيّ معه ويصلُ غزّةَ مقطّعَ الأسمالِ أشعثَ الشعرِ طليقَ اللحيةِ يعلو وجهه التعبُ وغبارُ الطريق..

ومرّةً أخرى وهجرةٌ أخرى لكنّ الى مصر المحروسة..

الى متى هذا العناءُ وفراقُ الأحبّةِ والدّيار؟

في مصر حياةٌ أخرى في انتظارهم..

وكما قال الراحلُ محمود درويش:

على هذه الأرضُ ما يستحقُّ الحياة..

حياةٌ أخرى ومشوارٌ أدبيٌّ يكتمل وتولدُ أوّلُ روايةٍ لبلالٍ من رحمِ المعاناةِ والفقدِ والألم..

أشخاصٌ آخرونَ معذّبون في الأرضِ تتلاقى أقدارهم مع بلال وأخته دعاء هم ليلى ومُراد..

ستتعرّفونَ اليهم وتشعرونَ بآلامهم ومعاناتهم حينَ تسبرونَ غورَ الكلمات وترحلونَ في فُلكها الى النهاية..

من عاد الى نابلس ومن حالَ الموتُ بينه وبينها؟

ستعرفون كل شيء وتضحكون تارةً وتبكونَ تارةً أخرى فالفرحةُ في حياتنا تبقى منقوصة وهذا حالُ فلسطين منذُ أن دنّسها الانجليزُ والصهاينةُ حتى الآن..

نسألُ الله فرجاً قريباً ونصراً مُبينا..

يا مُدركَ الثاراتِ أدرك ثارنا وانصرنا على القومِ الظالمين..


تعليقات