(متاع الغرور) تأمل في حقيقة الدنيا - بقلم: جبريل (السماوي)...

 
كلّ مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذا الجلال والجبروت.


ويحدث أحيانا أن تحملك تلاوة كلام المنان سبحانه وتعالى فوق معارج التدبّر الحقيقي، فوق ترانيم عاطفية حزينة، للعروج بك رحلة طفيفة عبر الذّاكرة إلى عالم الآخرة، إلى دار البقاء والفناء، إلى الأصل والمنتهى..

تٌقلّب صفحات هذا الكتاب العظيم، الذي يحمل قضية  فوق كل قضية، حتى تعثر في محرابه الشريف قوله جلّ من قائل{وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} فتجد داخلك رنينا إلهيّا قويّا يخاطب روحك مباشرة من دون حجاب.. تشعر من أعماق نفسك أنّ هذه الآية العظيمة تكفي لتكون دستورا كاملا لهداية الانسان.. فيخرج من متاهات العمى والضلال، إلى فسحات الهدى والنور، حيث يبدأ السّير إلى دار الحقّ، وذلك بأن يربط حياته باليوم الآخرة 


فالارتباط الدائم بيوم التّناد، يوم الجزاء والحساب، هو وقود حركة المسلم في هذه الدّنيا الفانية..لذلك يكون لزاما على الفرد المسلم أن يخترع لحياته نافذة معنويّة، يفتح ستائرها بين الفينة والأخرى- بالتوبة والإنابة والبكاء في الخلوات- ليبقى يقظا ويدرك على أنّ الدّنيا ليست إلاّ جسرا وقنطرة للعبور إلى دار القرار والخلود، إلى الفوز الأكبر أو الخسارة الكبرى ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾


 أيها القارئ الحزين! اعلم أرشدك الله لذكراه وللإنابة إليه في كل لحظة؛ أنّ هذه الحياة التي تسرق ذواتنا بالشهوات والملذات مجرّد غمرة ستنجلي. وما حياتك هذه المتناثرة بين الشروق والغروب إلا دلالة صريحة على السير الحثيث.. فبيْن فرّ وكرّ الجديدين تنتهي هذه الرحلة القصيرة يوما من أيام الله، وتنزل في محطة مظلمة يقال لها القبر. ولقد صدق (ونستون تشرشل) الذي لم يكن مسلما عندما قال: كلّ شيء في الحياة تنتهي إلى حفرة صغيرة مظلمة .

الموت كما قال مولانا الحسن البصري رحمه الله ( الانسان بضعة أيام كلما انقضى يوم، انقضى بضع منه ) 

يقول مولانا سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور"...إنها متاع...لكنه ليس متاع الحقيقة...ولا متاع الصحو واليقظة...إنها متاع الغرور...المتاع الذي يخدع الإنسان فيحسبه متاعا....فأما المتاع الحق...المتاع الذي يستحق الجهد في تحصيله..

فهو ذاك...هو الفوز بالجنة بعد الزحزحة عن النار...


أيها الضائع في أجمات الغفلة تذكر يوم تستلقي تحت الأرض ذات اللون البُني ، والأعشاب تتمايل من فوقك يمينا ويسارا ، وأنت تستمع للصمت في هدوء ، ليس لديك أمس لتُفكر به، أو غد تقلق بشأنه ، أن تنسى الوقت تماماً ، و تتسامح مع الحياة. ولا يبقى لك إلا لقاء ربّ العالمين ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) 


السماوي

تعليقات