نبي الله سليمان، ذلك النبي الذي أتاه الله من المعجزات الكثير والكثير، ذلك النبي الذي حدَّث الطير واستعمل الجن لخدمته وتعمير مملكته الشاسعة، وكان يرسل الرياح إلى حيث يريد بأمر من الله تعالى، فمن هو سليمان؟ وما هي المعجزات التي حباه الله بها؟ وما قصة تلك الدابة العظيمة التي حدثته وجعلته يبكي؟ وماذا عن خاتم سليمان؟ أهو حقيقة أم خرافة؟
تجهز معنا لحلقة دسمة ومليئة بالغرائب فتابع للنهاية.
سيدنا سليمان هو ابن من ضمن أبناء كثر لسيدنا داوود عليه السلام، فقد قال قتادة والكلبي أنه كان لسيدنا داوود تسعة عشر ولد، ورث سيدنا سليمان الملك والنبوة عن أبيه داوود، وقد ذكر سيدنا سليمان في القرآن في قصص كثيرة منها قصة الهدهد وبلقيس ملكة سبأ وقصته مع دابة الأرض..
ولكن دعنا نرجع لبداية القصة قبل تولية سليمان الحكم، حينما كان الحكم لسيدنا داوود، حيث كان داوود ملكاً على بني اسرائيل، كان سيدنا سليمان منذ طفولته معروفاً بالذكاء والفطنة وسرعة البديهة، كما رزقه الله منذ نعومة أظفاره بالحكم الصحيح والعادل بين الناس، فكان يحكم بين المتخاصمين بحكمة بالغة رزقه الله بها، وفيما بعد ستكون تلك الحكمة ذات يوم شيئاً عظيماً لا يُحكم بها بين الناس وحسب، بل ستجعل سليمان بإذن الله ملكاً يحكم الإنس والجان والريح وكل مخلوقات الله.
ومن القصص التي تم ذكرها في القرآن عن حكمة سليمان في الفصل بين الناس فيما يطرأ عليهم من خصومات، هي قصة ذلك الراعي الذي كان مع غنمه في مكان ما يجواره حرث فتركته ماشيته وذهبت إلى ذلك الحرث فأفسدته، فغضب صاحب الحرث فذهب يشكوا الراعي لسيدنا داوود فحكم داوود بينهم بأن يأخذ صاحب الحرث الماشية تعويضاً له على ما أفسدته، وبعدما حكم داوود في الأمر كان لسيدنا سليمان رأيٌ آخر، حيث قال : (لو كان الحكم لي لحكمت بغير ذلك) وقد كان حكم سليمان أن يأخذ صاحب الحرث الماشية ليعيد بها أرضه كما كانت ثم يعيدها لصاحبها مرة أخرى، فما كان من داوود عليه السلام إلا أن أُعجب بهذا الحكم ووافق عليه لأنه لا يضر بأحد الأطراف.
قد قال تعالى:
"وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين"
وقد كان عمر سيدنا سليمان ساعتئذ إحدى عشر سنة فقط.
تولى سليمان الحكم بعد وفاة أبيه داوود وكان عمره حينها ثلاثة عشر عاماً فقط، بعدما أوتي الحكم والنبوة دعا الله أن يؤتيه ملكاً لا يعطيه لأحد من بعده، فاستجاب الله دعاء النبي سليمان وآتاه من المعجزات ما يذهل الأذهان ويَهُزُّ القلوب.
سخر الله له الإنس والجن والحيوانات والطير والجمادات كالريح التي كان يرسلها حيث شاء بأمر الله، كل ذلك كان تحت إمرته ورهن إشارته، وقد كانت معجزات سليمان ذات سمة غريبة، قد تقول أن كل المعجزات غريبة وأن المعجزة اسمها معجزة لأنها بطبيعتها خارقة للعادة، فكيف كانت معجزات سليمان غريبة؟
كانت المعجزات ملازمة له طوال حياته وليست لفترة محدودة كباقي المعجزات في قصص الرسل والأنبياء، ومن ضمن هذه المعجزات:
تسخير الريح.. فكانت تجري بأمره بإذن الله حيث قال تعالى في كتابه : "ولسليمان الريح تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شئ عالمين"
ومن معجزاته أيضاً تسخير الجن:
فذلك الجن الذي يخشاه الناس اليوم قد كان ذات يومٍ تحت إمرة نبي الله سليمان، يستعملهم في بناء مملكته الواسعة وخدمتها، فكان يأمر الجن بأن يبنوا المحاريب ودور العبادة ويأمرهم بالبناء فكان لهم وقت حكم سليمان براعة في العمارة والبنيان، وكانوا يصنعون الجفان أي أحواض الماء وكذلك صنعوا الصوامع الثابتة، والتي جاء ذكرها في القرآن الكريم باسم (القدور الراسيات) كما كان يأمر سليمان رضى الله عنه الجن بأن يغوصوا في البحار ليستخرجوا اللؤلؤ والمرجان.
ومن ضمن معجزاته إسالة النحاس : حيث قال تعالى (وأسلنا له عين القطر" وكان يستخدمه في الصناعة خاصة صناعة السلاح.
كما حباه الله بمعجزة عظيمة أخرى وهي القدرة على فهم الحيوانات والجمادات ولنا هنا وقفة، حيث قصة اختلف العلماء في صحتها ولكنها قصة تستحق التأمل، وهي قصة سليمان مع إحدى دابة من أعظم الدواب وأكبرها حجماً وهو الحوت!..
لما رأى نبي الله سليمان ما آتاه الله من الملك دعى الله قائلاً:
"إلهي ومعبودي ومحبوبي، لو أذنت لي أن أطعم جميع مخلوقاتك سنة كاملة فأكون مشكوراً إليك، فأوحى الله له بأنك لن تقدر على ذلك يا سليمان"
فكرر سليمان طلبه ولكن طلب من الله أن يجعله يطعم من في الأرض لمدة أسبوعٍ واحد، فأوحى الله له بأنك لن تقدر على ذلك يا سليمان، فطلب سليمان للمرة الثالثة ودعى الله فأتاه نفس الجواب (إنك لن تقدر على ذلك يا سليمان)
فقال سليمان : (إلهي .. مقصودي ولو يوماً واحداً فأذن لي بذلك) فأذن الله له ففرح لذلك سليمان وأمر من هم تحت إمرته من الإنس والجن بأن يحضروا كل ذوات اللحوم من الابقار والأغنام ويذبحوها ويطبخوها ويضعونها في أواني، وقد تم الأمر كما أمر ووضع هذا اللحم في قدور راسيات ضخمة وأمر سليمان الريح أن تهب على الطعام لكي لا يفسد فكان طول القدور وعرضها اكثر من مسيرة شهرين. بعد ذلك اوحى الله إلى سليمان " بمن تبدأ" فقال سليمان "أبدأ بدواب البحر يا الله" فأمر الله حوتاً أن يأكل مما أعد سليمان من طعام، فجاء الحوت وأكل الطعام كله، وقال لسليمان أطعمني وأشبعني؟ فقال سليمان (أكلت الجميع وما شبعت!) فقال الحوت (أهكذا يكون جواب أصحاب الضيافة للضيف؟ اعلم يا نبي الله أن لي في كل يوم مثلما صنعت ثلاث مرات وأنك قد منعت رزقي وقد قصرت في حقي) فبكى سليمان عليه السلام وخر لله ساجداً وقال سبحان الله المتكفل بأرزاق الخلائق من حيث لا يعلمون.
وهنا نصل إلى آخر ما سنتحدث به في تلك الحلقة، وهو (قصة خاتم سليمان) هل هو حقيقة أم لا؟
دعنا نقول أن تلك قصة خاتم سليمان لم تذكر في القرآن ولا في أي كتاب سماوي.
تقول القصة، أن الله جعل لنبي الله سليمان خاتماً فيه سر قوته وملكه، وكان الشيطان يريد الحصول على هذا الخاتم ليحصل على هذا الملك ولكن سليمان لم يكن يخلع ذلك الخاتم من اصبعه، وفي يوم من الأيام ذهب سليمان إلى الخلاء وأعطى لزوجته الخاتم لتحفظه له إلى ان يخرج، فتجسد الشبطان في صورة سليمان وأخذ الخاتم من زوجة نبي الله، وعندما خرج سليمان من الخلاء قال لها اين الخاتم قالت لقد اعطيته لك الآن..أخذ الشيطان الخاتم وطرد سليمان وزوجته من القصر واستولى على الملك، وافتقر سليمان وذهب ليعمل في الصيد ليكسب قوت يومه، فأراد الله أن يضيع الخاتم من الشيطان فوقع منه في الماء والتقتمته سمكة، واصطاد تلك السمكة سليمان واعطاها لزوجته فلما قطعتها وجدت الخاتم واستعاد سليمان حكمه، ويقال أن هذا الخاتم دفن مع سليمان.
ولكن كما قلنا لم تثبت هذه القصة في القرآن ولا في أي كتاب سماوي ومن المرجح أنها من الإسرائيليات.