أكثر شخصيات التاريخ أود مقابلتها ورؤيتها .. للكاتب جبريل (السماوي)...


 

أمنيات وأحلام ..

ويحدث أحيانا أن يخلوَ الانسان مع نفسه منزويّا.. يحدق إلى اللاّشيء، يتأمّل ويتمنّى لو أتيح له فرصة الجلوس أو اللقاء مع أحد عظماء التاريخ ورجال الفكر والعلم والفلسفة والأدب. هؤلاء الذين خلدوا في حافظة التاريخ. الذين نرى أسمائهم بين السطور والحروف وفوق الفقرات الساطعة. ونسهر معهم ليالي حلوة تحت مظلّة المطالعة والقراءة، ساعات البحث عن المعنى وعن حياة أخرى كالتي كان يبحث عنها عباس محمود العقّاد.


تمنّيتٌ يوما..لو أٌتيح لي فرصة الجلوس مع أيقونة الإنسانية ورمز الأعظمية، رسول هذه الأمّة عليه الصلاة والسلام، فأنظر إلى ملامح وجهه الوهّاج، وأذرف دموع الحنين والاشتياق أمام حضرته وجلاله ثمّ أقرأ جميع رسائل الحبّ النابض، التي كتبتها بمداد قلبي..إلى نبي الله صلوات ربي وسلامه عليه.


أسأله كيف استطاع صناعة الحياة المثلى للانسان الذي انصهر في قبسات ولعنات الجاهلية. أسأله كيف اخترع للبشرية ترياق الروح وأخرج الآدميّة من متاهات الظلمات دون مقابل. أسأله كيف استطاع الغلبة على نفسه يوم فتح مكة، حيث تفكّر بكل شيء إلا بالانتقام وشنّ الغارة  والملحمة.

نابليون بونابرت يقول: (أصعب تحدّي أمام القائد هو الانتصار) فغالبا ما ينغمس القائد في لجّة الغرور والاستبداد. فيصبح هذا النصر هزيمة على ذاته فيعبث على البشارات التي أوصلتها إلى محطات الانتصار. لكن رسول الله ازداد سماحة ورحمة وألفة في لحظات الانتصار وأثناء القبض على ناصية القوة الضاربة، فلم يتبدّد ولم يبصق على مبادئه وأبجديات السماحة التي كان يبشّر بها.. منذ معاناة الدعوة في رمضاء مكة الحارّة .

سأخبر رسول الله عن إتحافات المستشرقين له بالنجاح الباهر وعظمة الشخصية..مثلا أذكر له كلام الفيلسوف برنارد شو الذي قال عنه بكل صراحة (العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة (يعني أوروبا).


تمنّيت لو كان لي فرصة ملاقاة فاروق هذه الأمة في إحدى محاكم العدالة. عمر ابن الخطاب رضي الله عنه..هذا الطود الشامخ والسراج المٌنير، الذي كان يدير الخلافة الاسلامية -وحده- عن قدرة و كفاءة  كاملة على التمام. هذا الانسان العظيم الذي استطاع العروج إلى أعلى مقامات الكمال البشري حتى قال عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام ( لم أر عبقريّا يفري فريه)


 عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ذلك النجم الثاقب الذي أعطى دنيا الناس كافة قدوة لا تبلى. قدوة تتمثل في حاكم قد بركت الدنيا علي عتبة داره مُثقلة بالغنائم والطيّبات، فسرحها سراحًا جميلاً، وساقها إلى الناس سوقًا كريمًا. يقدم إليهم طيباتها، ويدرأ عنهم مضلاتها، حتى إذا نفض يديه من علائق هذا المتاع الزائل، استأنف سيره ومسراه مهرولاً في فترة الظهيرة الحارقة وراء بعير من أموال الصدقة يخشى عليه من الضياع.


أو منحنيًا فوق قِدر.. وكلّه عشق وتحنان، ليطبخ طُعمة طيبة لامرأة غريبة أدركها كرب المخاض أو لأطفال يتضورون جوعًا في ظلام الليل الحالك. إنه العملاق الذي أضاء العالم عدالة وقسطا واستقامة. هذا الرجل الذي جعل كل دساتير ومواثيق حقوق الانسان بعده بلا معنى ولا روح .الذي تنزّل القرآن أكثر من مرة موافقًا لرأيه وقناعته. إنه الأستاذ المعلم الذي صحّح كثيرًا من مفاهيم الحياة وكساها عظمة وروعة من خلقه وسلوكه.


في احدى ليالي الشتاء الطّوال، تمنّيت وأنا أقرأ ترجمة ابن تيمية في كتاب ( المتمرّدون لوجه الله) لمحمود عوض، لو تسّلل وجه هذا العلامة الكبير إلى نافذة غرفتي المكتظة بالأمنيات لأجد شرف النظر إلى طلعة العلم وهيئة الفكر والصورة الكاملة للعبادة..

هذا الرجل العظيم الذي تعجّ دفاتير التراجم باسمه عجّا...ابن تيمية الذي لم ولن تملّ ألسنة الدهر بذكر مناقبه وجبروته المعرفية..هذا الشيخ الذي قال عنه الحافظ المزّي: ما رأيت مثله، ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيت أحدا أعلم بكتاب الله، وسنة رسوله، ولا أتبع لهما. هذا العالم الجليل الذي كانت منارات العلوم تستمد أضواءها الساطعة من عقله الجبّار


تمنّيت لو صحبتٌ الإمام البخاري في أسفار البحث عن أخبار رسول الله عليه الصلاة والسلام، حتّى أستطيع استخراج سرّه المكنون الذي نصبه أميرا للمؤمنين في الحديث، علم الرجال والأسانيد.البخاري الذي كسر الأرقام القياسية في علم الحديث..حتى شهد له أرباب ونبلاء هذا الفنّ كابن المديني وأحمد وابن معين بصحّة الكتاب.


تمنّيت لو التقيت مع أودلف هتلر في ميونيح أو برلين ليعطيني الرواية الحقيقية التي لم يروها أحد عنه والحلقة المفقودة من تاريخ النازية.أعلم أنه كان شريرا مارقا. لكن كان له ثمة جوانب من الخير عن نفسه، عبث بها الاعلام الغربي وقلم المنتصر. كنتٌ سأسأله عن سبب عشقه لفلسفة نيتشه، التي تٌنظّر على سحق الضعفاء والمساكين كوسيلة لتحقيق سيطرة الأقوياء فقط. سأسأله كيف سوّلت له نفسه بتفعيل عملية بربروسا..تلك الكارثة التاريخية التي دفنت كلّ أحلام الرايخ الثالث تحت ثلوج روسيا.


تمنّيت لو التقيت مع مالكوم ايكس لأسأله معنى أن يكون للانسان رسالة نبيلة يحارب لأجلها. وأذكر عنده، التصفيقات الحارة للتاريخ له..وما آلت إليها حياة الانسان الأسود في أمريكا بعد رحلته إلى السماء .


تمنيّتّ ..تمنّيت ..تمنّيتٌ ...لو كنت التاريخ الخالد الذي شهد على كلّ أحداث البشر..منذ هبوط الانسان من السماء إلى هذه البسيطة الحزينة.

تعليقات